كيف تنبأ مصطفى محمود بالحروب القادمة وبمستقبل العالم
لطالما راود الإنسان سؤال المستقبل: إلى أين نسير؟ وماذا يخبئ لنا الغد؟ ومع تقدم العلم واتساع دائرة المعرفة، لم يعد الحديث عن المستقبل ضربًا من الغيب، بل أصبح بإمكان الإنسان أن يستقرئ ملامحه من خلال الشواهد والاحتمالات. فالعلوم الحديثة أصبحت تُمكِّن الإنسان من التنبؤ بأحداث كونية بدقة مذهلة، بل وبالساعة والثانية.
على سبيل المثال، أصبح من الممكن تحديد موعد كسوف الشمس قبل وقوعه بعام كامل، بل وباليوم والساعة والدقيقة. وتمكن العلماء من حساب موعد عودة مذنب هالي بدقة متناهية، منذ أكثر من سبعين عامًا، مؤكدين أنه سيظهر مجددًا في يناير 1986. كل هذه الدقة لم تأتِ من فراغ، بل من خلال تراكم المعارف والفهم العميق لقوانين الكون التي سنّها الخالق.
ومثلما نقرأ حركة الأجرام السماوية، يمكن أيضًا التنبؤ بحالة الطقس من خلال تحليل الضغط الجوي، ودرجة الحرارة، وسرعة الرياح، وصور الأقمار الصناعية. لقد أصبحت تنبؤات الأعاصير والعواصف الدقيقة ممكنة، بل ويتم تحذير الدول قبل وقوع الكوارث الطبيعية بساعات وربما أيام.
لكن هذا كله لا يُعد من "الغيب" المحظور. فالغيب الذي يعنيه الشرع هو الغيب المطلق، الغيب المتعلق بالذات الإلهية أو ما يجري في الملأ الأعلى بين الملائكة. أما شؤون دنيانا، فقد أتاح الله لنا أن نقرأ شواهدها ونستنبط منها ما هو قادم.
بل إن يوم القيامة نفسه، وإن كان مجهول التوقيت، فليس مجهول العلامات. يقول الله تعالى: "إن الساعة آتية أكاد أخفيها"، ولم يقل "أخفيها"، مما يشير إلى أن توقيتها هو فقط ما يغيب عنا، بينما شواهدها وعلاماتها واضحة ومعلومة. وقد ذكر الله في كتابه الكريم علامات صغرى وكبرى تشير إلى اقتراب تلك الساعة.
وفي الإجابة عن سؤال "إلى أين نحن ذاهبون؟"، لا يخرج المستقبل عن احتمالين: السلام أو الحرب. فإن ساد السلام، عاش العالم في تطور وازدهار. أما إن اشتعلت الحروب، فإنها هذه المرة لن تكون حروبًا تقليدية، بل كارثية بكل المقاييس.
الأسلحة الحديثة لم تعد تعتمد على شجاعة الفرد أو ذكائه في الميدان، بل على مدى نذالة استخدام العلم نفسه. فكبسة زر واحدة يمكن أن تطلق قنبلة هيدروجينية تقتل ملايين في لحظة واحدة. لم نعد نتحدث عن "هيروشيما" فقط، بل عن مئات المرات من قوتها التدميرية.
وتشير التقارير إلى أن المخزون العالمي من القنابل الذرية قادر على تدمير الأرض عدة مرات. بل الأخطر من ذلك، أن إطلاق قنبلة أو اثنتين فقط قد يسبب ظاهرة أطلق عليها العلماء اسم "الشتاء النووي"، حيث يؤدي الدخان الناتج عن التفجيرات إلى تغليف الأرض بطبقة تحجب أشعة الشمس لعدة أشهر، مما يؤدي إلى برودة قاتلة وانقراض جماعي للكائنات الحية.
هذه الظاهرة ذكرتني بآية قرآنية عظيمة: "فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين، يغشى الناس، هذا عذاب أليم".
وهنا يتبادر إلى الذهن تساؤل عميق: هل يمكن أن يكون هذا الدخان المشار إليه في القرآن هو نفسه دخان الحرب النووية؟ الاحتمال قائم، خصوصًا أن القرآن يحدثنا عن آيات كونية لا تخص زمانًا بعينه، بل تتكرر أو تتحقق في مراحل مختلفة من التاريخ.
ومثلها آية خروج الدابة التي تكلم الناس: "وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم". بعض المفسرين المعاصرين ذهبوا إلى القول بأن هذه الدابة قد تكون التلفاز أو الراديو، باعتبارهما "يتكلمان" ويصنعان من مواد الأرض. لكن هذا التأويل، في نظري، مجافٍ للدقة، فالراديو لا يتكلم من نفسه، بل هو مجرد ناقل لما يُبث فيه، ولا يُمكن مساواته بـ"دابة" حقيقية كما وصفها النص القرآني.
إن القرآن الكريم لا يرفض العلم ولا يحدّ من استخدام العقل، بل يدعو إلى التفكر والتدبر في سنن الكون، والربط بين الظواهر الكونية والحقائق الإيمانية. فالله سبحانه وتعالى لم يطلب منا أن نستسلم للغيب استسلام العاجز، بل وهبنا أدوات الفهم والتحليل لاكتشاف ما يمكننا اكتشافه، دون التعدي على علم الله المطلق.