أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

آخر الأخبار

قصة إسلام الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري

أبو ذر الغفاري,أبو ذر,جندب بن جنادة,حديث الرسول عن أبي ذر الغفاري,قصة أبو ذر الغفاري مع الرسول

الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري كان أمة وحده

إنه رجل نسيج وحده بشهادة الرسول عليه الصلاة والسلام ، من الصعب أن تجد له مثيلا ، إنه رجل مشى حياته في طريق متوحدا فيها إلا من قليلين. طريق موحشة لا أنيس فيها ، إنها طريق الحق ومُلازمة الحق المُرّ أيها الأخوة ودفع أثمانا باهضة وضرائب طائلة ولم يُثنِه ذلك، لم تنفع فيه لا ترغيبة، ولم تُثنِه عما هو بسبيله ترهيبة، وبقي على ما هو عليه حتى لقي الله واجتمع بحبيبه صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم.

إنه جُندب ابن جُنادة أبو ذر الغِفاري رضي الله تعالى عنه وعطاه، أحد السابقين الأولين إلى الإسلام، ومن أكثر الصحابة صدعًا بالحق وثباتًا على المبادئ.

لقاء أبو ذر الغفاري مع النبي صلى الله عليه وسلم لأول مرة

لم يكن أبو ذر من أهل مكة، ولم يكن قرشيًا، لكنه ما إن سمع بخروج رجلٍ يدعو إلى التوحيد حتى دفعه الشوق واللهفة للسفر إلى مكة، طمعًا في رؤية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، وسماع ما جاء به. وفي أحد الأيام، التقى بالإمام عليّ رضي الله عنه، فأكرمه في بيته ليلتين دون أن يسأله شيئًا. وفي اليوم الثالث، أفصح أبو ذر عن سبب مجيئه : "سمعت برجل يقال له محمد خرج نبيًا، وأردت لقاءه"، فقال له علي كرم الله زوجه : "قد رشدت، اتبعني". ومضى به إلى رسول الله، فلما دخل عليه، قال: "السلام عليك يا محمد"، فكان أول من حيّا بتحية الإسلام، فرد عليه النبي: "وعليك السلام ورحمة الله وبركاته". وهكذا أسلم أبو ذر في اللحظة ذاتها بعد أن سمع آيات من القرآن، وقال: "أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله".

حياة من الصدق والثبات

لم يكن إسلام أبي ذر بداية حياةٍ مريحة، بل كان نقطة انطلاق لمسيرة نضال حقيقية. فقد عاد إلى قبيلته، غِفار، ودعاهم إلى الإسلام حتى أسلم عدد كبير منهم. ثم التحق بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة، وشارك معه في بدر والخندق وغيرهما من الغزوات.

لكن ما ميز أبا ذر حقًا لم يكن سيفه، بل لسانه وقلبه. كان يرى في المال فتنة، وفي الترف ظلمًا للفقراء. لم يساوم يومًا على الحق، ولم يخشى سلطانًا ولا أميرًا. صدح في الشام في وجه معاوية بن أبي سفيان، وقال: "والله للفقر أحب إليّ من الغنى، وللموت أحب إليّ من الحياة مع الظلم"، فتم نفيه. وحين أُعيد إلى المدينة، اشتد خلافه مع الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، لكنه رغم ذلك لم يخرج عليه، بل قال له: "أنت أمير المؤمنين، أنكر عليك وأبدي لك ذلك، لكن لا أنزع يدي من طاعة".

منفى الصحابي أبو ذر إلى الربذة

لما ضاق الحال بأبي ذر الغفاري، واشتد الخلاف، استأذن الخليفة عثمان أن يذهب إلى الربذة، وهي قرية صغيرة قريبة من المدينة بعيدة عن الناس، ليقضي ما تبقى له من أيام في عزلته. وهناك، كانت النهاية التي لا تليق إلا بعظماء الأمة. كان وحيدًا، إلا من زوجته، فقيرًا لا يملك حتى كفنًا. فقالت له زوجته باكية: "ليس لدينا ما نكفنك فيه إلا هذا الثوب"، فقال لها: "لا تبكي، فقد قال لي رسول الله: ليموتن أحدكم بأرض فلاة، يشهده عصابة من المؤمنين"، وكان على يقين أن الله صادق وعد نبيه.

وبالفعل، وفي لحظات الاحتضار، ظهرت قافلة من الحجيج، فقالت لهم زوجته: "هل لكم في خير؟ رجل من أصحاب رسول الله يحتضر". فلما سمعوا أنه أبو ذر، نزلوا باكين، وقالوا: "أبو ذر؟! فدى له آباؤنا وأمهاتنا!"، وغسلوه وكفنوه. وكان فيهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فلما علم أن المتوفى هو أبو ذر، بكى وقال: "صدق رسول الله: يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث يوم القيامة وحده".

أبو ذر الغفاري كان لا يخاف الفقر ولا الموت

ما الذي يجعل رجلًا يعيش بهذه الطريقة؟ ما الذي يدفعه لنبذ الزينة والترف والدنيا؟ إنها العقيدة، واليقين، والمحبة العميقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. كان شعاره في الحياة: "مرحبًا بالمكروهين، الفقر والموت، إذا كانا في الله ومن أجل الله". لم يكن سياسيًا ولا انتهازيًا، بل زاهدًا ربانيًا صادقًا. وكان يقول: "أعجب لمن يكنز المال، والله يقول: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)}". سورة التوبة

وكان يرى في المال مسؤولية عظيمة، ولذلك أنكر على كثير من الصحابة والولاة في ذلك الزمن ترفهم وإنفاقهم، لكنه لم يقدح في نياتهم، وإنما أراد أن يُذكر الأمة بخطر الركون إلى الدنيا.

أبو ذر الغفاري المثال الذي نحتاجه

في زمن يموج فيه الباطل ويتصدر فيه الانتهازيون المشهد، نحتاج أن نعيد قراءة سيرة هذا الرجل العظيم، ليس فقط كجزء من التاريخ، بل كنموذج للثبات والصدق والجرأة. لقد جسد أبو ذر الغفاري حقيقة الإسلام في بعدها الأخلاقي، بعيدًا عن المجاملات والمصالح. كان أمينًا على الكلمة، صادقًا في العهد، زاهدًا في الدنيا، لا يخشى في الله لومة لائم.

قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر"، وقال : "رحم الله أبا ذر، يعيش وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده".

تعليقات